قراءة تحليلية للعمل الادبى: "يوميات صفية افندى" للروائى العالمى محى الدين حافظ

 

قراءة تحليلية للعمل الادبى: "يوميات صفية افندى" للروائى العالمى محى الدين حافظ



بقلم د/حنان عبدالآخر 🇪🇬


نبدأ من حيث الشكل: لقد برع الكاتب فى شكل عمله الادبى "بالمزج بين" استخدم طريقة وقالب الكتابة "السردية القصيره الرأسية الغربية"، ولكن "بطابع ورمزية وأسلوب مصرى".

اما العمل الادبى: عباره عن قصة قصيره نقدية جمعت بين بعض السلبيات المجتمعية والفردية، والتى "دفرت وجمعت" بين عصور وأجيال متعاقبه، وافكار ومعايير متباينه، بسلوب عرض اعتمد على الرمزية والإسقاط الساخر.


اما الأسلوب: فبرع فى استخدام الرمزية وأسلوب الاسقاط الساخر لسرد الاحداث، ليفهم مضمون مايصبوا اليه من خلال تلك الاسقاطات وليس بالوصف الصريح المباشر.

والإسقاط فنى درامى متسلسل دفرت فيه "العصور والاجيال المتعاقبة" ومزجه بذكاء مع الاسقاط الجانبى لمنحنيات الحياة أن كانت محليه أو عالمه، وبالاضافة على الفساد المدقع أن كان فى النفس أو الحياه أو المجتمع، وقد طرح من خلال مضمون السرد الأفكار والمعايير المتباينة والغير متوازنه احيانا والغير منطقية احيانا اخرى "داخل النفس والمجتمع" بشكل ساخر وعبقرى.


لقد استخدم الكاتب: اسلوب عبقرى دئب عليه وبرع فيه المصريين عبر العصور والازمنه الا وهو"الاسقاط النقدى الساخر" بانواع فنية وثقافية مختلفه عبر العصور:

منه "المسرح الغنائى" مثل سيد درويش.

ومنه "الدراما المسرحية" مثل مسرح الرحانى.

مرورا بالكتابات الأدبية والصحفية والإذاعية.....الخ.

 واتصاقا مع هذا العمل الادبى والذى نحن بصدده: ففى أواخر ثمانينات القرن الماضى ومرورا بالتسعينات....الخ، انتشر جليا هذا النوع من النقد فى الصحف المصرية فى صورة "كاريكاتير وتعليق عليه، وكان من ابرزها (قهوة الموظفين ، كمبوره ، عبدو مشتاق)، وكذلك باذاعة البرنامج العام و(كلمتين وبس) ......الخ.


«الابحار فى أعماق يوميات صفية افندى»

1- الفقره الاولى: فى كلمات محدوده لخص حياة بطل قصته (ولد ،تربى: على القوه ، وتعلم السياسة: من طقطقة كباية الشاي لسلامو عليكو بتاع الجرسون)

2- عاش يمؤمن بمبدأ "العدالة"، ولكن عندما لم يجده فى الحياه متوفر، فجعله مخزون ثقافى متوارى، "وقرر يعيش على البركة وياخدها من قصيرها، ويقعد جنب عم "كُشك" بتاع الجرائد". 

3- جسدت نفس " صفية افندى" فى شكل امرأه حسناء، تسأله عن "الحقيقة" فرد عليها فى هدوء مقرون بالقناعه "أن الحقيقة سابت البيت من أيام النكسة، ومحدش شافها من ساعتها" اى أن: البيت هو اسقاط على حياة المجتمع بكل أبعادها وتفاصيلها منذ النكسه ومرورا بالازمنه التى تليها، وان الحقيقة سابت البيت (أن الحياه اصبحت مجموعه من الأكاذيب تموج بها فى كل تفاصيلها وجوهرها).

4- "إحنا جيل اتولد في المطبخ، وعاش في الأوضة، ودفن شبابه في الأنتريه" اساقط على أن هذا الجيل عاش حياه صعبه وضيق الحال فيها كبير جدا وشبابه انتها بلا شئ اوهدف محقق.

5- ثم انخرط مبحرا عبر امواج متلاطمه من "صعوبات الحياه، والأفكار والمعايير المتباينة والغير متوازنه" داخل طيات اسطره .. ليصل بنا إلى الشاطئ من تلك الأسطر "ونهاية هذا الفصل".


«واخيرا»:- ليصل بنا إلى مغذى هذا الفصل من يومياته: هو الراجل الوحيد اللي خسر بس كسب حب الناس، وشهرة، وكباية شاي على حساب الحاج "فُرخة"، صاحب القهوة.

- وكتب في نوتته آخر سطر في الفصل ده: "أنا مرشّح ما اتكتبش ليّ منصب،، بس اتكتبت ليا قعدة حلوة على نصبة الشاي…ودا كفاية".


«فى النهاية»:- بالرغم أن للوهله الأولى من الإبحار بين الأسطر تشعر أن الأحداث فى فتره زمنية معينه، ولكن من يبحر فى الأسطر من أجيال واعمار مختلفة يشعر أيضا أن تلك الأحداث هى فى فترته الزمنية، لنخلص أن براعة الكاتب جعلت تلك القصة مثل "لوحة الموناليزا" كلما تنظر إليها من اتجاهات مختلفه نشعر أنها تنظر الينا.....

........................................

«العمل الادبى: يوميات صفية افندى» 


 اتولد على القهوة، واتربّى فيها ، 

واتعلم السياسة من طقطقة كباية الشاي

 لسلامو عليكو بتاع الجرسون.


كان صُفيّة أفندي مؤمن إن العدل أساس الملك،

 بس لأن مفيش لا عدل ولا ملك

، قرر يعيش عالبركة

، وياخدها من قصيرها

 ويقعد جنب عم "كُشك" بتاع الجرائد. 


ومن يومها بقى خبير عالمي في كل حاجة

، من أسعار السمك في اليابان

 لحد آخر قصيدة كتبها شاعر أندلسي

 نسى يبعتهاله.


المهم، في يوم مش فايت، جتله واحدة ست شيك

، لابسة نضارة سودة وفاكرة نفسها جين فوندا، قالت له:


ـ يا أستاذ صُفيّة، أنا بدوّر على الحقيقة!


قالها بمنتهى الهدوء وهو بيشرب شاي الكشري:


ـ يا بنتي، الحقيقة سابت البيت من أيام النكسة، ومحدش شافها من ساعتها!


ضحكت الست ومشيت، وسابته مع شايه وجرناله وحزنه الهادئ، اللي لا بيوجع ولا بيخف


 زَي ما قال مرة: "إحنا جيل اتولد في المطبخ، وعاش في الأوضة، ودفن شبابه في الأنتريه!"


في يوم من الأيام، قرر صُفيّة أفندي يعمل حاجة مفيدة في حياته…


مش يفيد بيها حد، لا سمح الله، بس يفيد بيها دماغه، اللي خلاص اتعصرت زي الليمونة فوق طبق كشري سايح.


راح اشترى نوتة، وسمّاها: "مذكرات مواطن مفعوص".


كتب فيها أول جملة:

"صحيت الصبح لقيت إني مواطن… وقعدت أعيط."


وبدأ يكتب:

"العيش ناقص، والتموين واقف في الزحمة، والراديو بيغني (أهواك)، والشارع زحمة أكتر من ضميري أيام ما كنت في رابعة ابتدائي، وسرقت طباشير!"


وفي يوم، جاله صاحبه "منقريش بيه" — وده كان مثقف درجة عاشرة، يحفظ أسماء كل الفلاسفة، وينسى مفاتيحه كل يوم.


قال له:

ـ صُفيّة! إنت لازم تترشح!


قاله:

ـ أترشح إيه؟ طماطم؟


قاله:

ـ لا يا جدع! انتخابات المحليات!


قاله:

ـ يا راجل! أنا ما بعرفش أنجح في النوم حتى، أنجح في الانتخابات إزاي؟


بس منقريش بيه ضغط عليه، وقاله:


ـ البلد محتاجالك يا صُفيّة!


قاله:

ـ البلد محتاجالي؟ دا أنا ما لقيتش مكان ليّ في الميكروباص الصبح!


وهو نازل، صُفيّة كتب تاني في النوتة:


"السياسة زي الطعمية… لو ما اتقلبتش في الزيت الصح، تبوظ الدنيا وتلزق في الطاسة."


صُفيّة أفندي وافق يترشح… مش لأنه عايز يبني البلد، لا خالص، دا لأنه سمع إن اللي بيكسب بياخد بطاقة تموين VIP وساعة حائط عليها صورة الزعيم وهو بيهتف وهو نايم.


أول يوم في الحملة، طبع منشورات مكتوب فيها:


"صُفيّة أفندي… صوتك للي بيفهم في الفول ويخاف على الحلة!"


وحط صورة ليه وهو بيشاور على طبق كشري من بتوع شارع شامبليون، وحاطط شعار الحملـة:


"مع صُفيّة… مش هتجوع، بس احتمال تتخن!"


لفّ على الأهالي، وقالهم:


ـ عايزين مية؟ أنا عندي جركن.


ـ عايزين كهربا؟ أنا بوزّع كشافات على البطّارية!


ـ عايزين أمل؟ طب معلش دي مش معايا دلوقتي، بس أقولكوا أهو!


ويا ما شاف يا ستي…


واحد بيقوله:

ـ طب وعدني إنك تبني لنا مركز شباب!


قاله صُفيّة:

ـ أبنيه بإيه يا حاج؟ أنا جاي الحملة على رجلي، وبطلت أركب أتوبيس علشان أدفع تمن الورق بتاع المنشور!


المفاجأة كانت يوم النتيجة…


المندوب دخل عليه، وقاله بصوت تقيل:

ـ مبروك يا أفندي…


قاله صُفيّة وهو ماسك قلبه:

ـ كسبت؟


قاله:

ـ لأ، خسرت… بس مبروك على الخسارة، خلتك نجم المنطقة!


ومن يومها، الناس بقت تقعد مع صُفيّة أفندي مش عشان هو عضو مجلس… لا، عشان هو الراجل الوحيد اللي خسر بس كسب حب الناس، وشهرة، وكباية شاي على حساب الحاج "فُرخة"، صاحب القهوة.


وكتب في نوتته آخر سطر في الفصل ده:


"أنا مرشّح ما اتكتبش ليّ منصب


، بس اتكتبت ليا قعدة حلوة على نصبة الشاي… ودا كفاية."

....يتبع.

✍️ الروائى العالمى: محي الدين محمود حافظ

إرسال تعليق

0 تعليقات