احمد عزيز الدين احمد الشباب تحت القصف الفكري

 

الشباب تحت القصف الفكري




في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتدفق فيه المعلومات كما تتدفق السيول الجارفة، يقف الشباب في قلب عاصفة فكرية عاتية، عاصفة لا تفرق بين من يمتلك الحصانة الفكرية ومن يتخبط في التيه، بل تطرق أبواب العقول جميعًا دون استئذان، وتدخل البيوت من شاشات الهواتف وأجهزة الحاسوب، حاملةً بين طياتها أفكارًا غريبة، وأيدولوجيات دخيلة، وروايات مزخرفة بالكلمات لكنها خالية من الجوهر، تهدف إلى ضرب العقيدة من جذورها وتشويه الأخلاق من أساسها.


لقد أصبح الشباب اليوم هدفًا أول في مخطط عالمي واسع، يُدار بأدوات متعددة: الإعلام، والفن الموجه، والمحتوى الرقمي، وحتى بعض المناهج التعليمية التي تُصاغ بمهارة لإعادة تشكيل وعي الأجيال. ليست القضية مجرد اختلاف ثقافات، بل هي صراع على الهوية والحقائق، سعيٌ لسحبهم بعيدًا عن منابع الإيمان الصافي، وإلقائهم في لجج الشك والتشكيك، حيث تذوب الثوابت ويختلط الحق بالباطل.


القصف الفكري الذي نتحدث عنه لا يحدث بالمدافع أو القنابل، بل بالكلمات والصور والأفكار. تُبث الشبهات على شكل نقاشات “حرّة” لكنها موجهة، ويُقدَّم الإلحاد في ثوب “حرية التفكير”، ويُزخرف الانحلال الأخلاقي بشعارات “التحرر الشخصي”، بينما تُسحق قيم العفة والصدق والوفاء تحت وطأة سيل من النماذج المضللة، التي تُعرض على أنها قدوات عصرية.


إن الخطر الأكبر لا يكمن فقط في كثافة هذا القصف، بل في قدرته على التغلغل في العقول عبر أساليب جذابة، حيث يُقدَّم الباطل في ثوب الحق، ويُموَّه الانحراف على أنه تقدم، ويُقلب الحقائق رأسًا على عقب حتى يجد الشاب نفسه مشوش الفكر، فاقد البوصلة، لا يدري أين يقف ولا إلى أين يسير.


وإذا تأملنا الأمر وجدنا أن المستهدف في هذه المعركة هو لبّ الإنسان: عقيدته وقيمه ومعناه في الحياة. فحين يُفقد الشاب صلته بمعتقده، ويتزعزع يقينه بالله، يصبح أرضًا خصبة لكل فكرة هدامة ولكل نزوة عابرة، لأن الفراغ الروحي لا يترك صاحبه إلا أسيرًا لتيارات الشك أو عبودية الشهوات. وهنا يتجلى هدف القصف الفكري: صناعة جيل بلا هوية، بلا انتماء، يسهل توجيهه في أي مسار.


ولعل أخطر ما في هذه الحرب الخفية أنها تُدار بصبر واستمرارية، فهي لا تهدف إلى تغيير الشباب بين ليلة وضحاها، بل إلى نخر القيم ببطء حتى تنهار من الداخل. يُغرس الشك في الدين عبر مقاطع قصيرة، وتُهمَّش الأخلاق تحت مسميات “التطور”، ويُختزل النجاح في المال والشهرة. وفي المقابل، تُغيَّب قصص العظماء الحقيقيين وأبطال القيم، ليبقى المسرح خاليًا إلا من نجوم زائفة.


لكن، ورغم ضراوة المعركة، فإن هناك مخرجًا واحدًا: العودة إلى الحقائق الثابتة، وتحصين الشباب بالعلم الراسخ والفهم العميق للدين، لا بالاكتفاء بالشعارات، بل ببناء عقل ناقد يميز بين الغث والسمين، وروح متصلة بالله تدرك أن الحقيقة لا تتغير بتغير الأهواء. كما أن دور الأسرة والمؤسسات التعليمية والدعوية لا يقل أهمية عن دور الإعلام الواعي الذي يكشف التضليل بدل أن يشارك فيه.


إن المعركة اليوم ليست معركة أجيال ضد أجيال، بل هي معركة وعي ضد غفلة، وإيمان ضد فراغ، وحقائق ضد زيف. والشباب هم خط الدفاع الأول عن هويتهم، فإذا وعوا حجم الخطر وأدركوا أن العقول ميدان قتال لا يقل خطورة عن ساحات الحرب، فإنهم سيكونون القادرين على صد هذا القصف الفكري وإعادة رسم معالم مستقبلهم بأيديهم، لا بأيدي من يريد لهم الضياع.

 بقلم 

 احمد عزيز الدين احمد 

 كاتب وروائي وشاعر

🇪🇬

إرسال تعليق

0 تعليقات