قراءة نقدية لقصة “السوار" للاديب محى الدين محمود حافظ بقلمةهالة مغاوري النمسا 🇦🇹

 

قراءة نقدية لقصة “السوار" للاديب محى الدين محمود حافظ 



هاله المغاورى فيينا النمسا 🇦🇹

في قصته القصيرة “السوار”، يكتب القاص سرداً رمزيًا مكثفًا عن رحلة امرأة تدعى “ليل”، من الطفولة المبتهجة إلى الشيخوخة الخافتة، مروراً بمراحل الزينة والغرور والمكانة الاجتماعية، مستخدمًا السوار كرمز بصري وجمالي يواكب هذا التحول العميق في الذات والزمن.

القصة تنتمي إلى نوع السرد الرمزي الذي يُحمِّل الأشياء البسيطة دلالات وجودية. فالسوار ليس مجرد قطعة زينة، بل مرآة لعمرٍ كامل؛ من السوار الفضي الطفولي الذي يُلوَّح به فرحًا، إلى الذهبي الذي يتمايل معه الجسد طربًا، ثم إلى الماسي الذي يفقد بهجته ويثقل اليد، وأخيرًا إلى البلاستيكي البارد الذي لا يزين، بل يُصنِّف الجسد الميت.

الرؤية المطروحة رؤية فلسفية ساخرة وحزينة، تسائل مغزى التعلق بالماديات والجمال الظاهري، مقابل حتمية النهاية، حين يُستبدل السوار الماسي الفاخر بسوار الوفاة المطبوع بمعلومات تشريحية.

يميل الكاتب إلى الإيجاز والتكثيف، في قالب سرديّ تتقاطع فيه الجمل القصيرة والنصوص الشبه شعرية، ما يخلق إيقاعًا داخليًا مميزًا. 

مثال من النص:

“إنها النهاية لا محالة، ولكن عينيها نظرت للسوار الساكن بيدها اليسري”. عبارة تقف عند الحافة بين الحياة والموت، بين الذاكرة والعدم، بأسلوب شفاف دون مباشرة.

القصة مبنية بشكل دائري، تبدأ بالموت وتنتهي به، وبينهما رحلة مختزلة لعقودٍ من الزمن. يتم تقسيمها ضمنيًا إلى ثلاث مراحل: 1. مرحلة الطفولة والشباب: حيث السوار الفضي هو رمز للفرح والبدايات العاطفية. 

2. مرحلة النضج والغرور: يظهر فيها السوار الذهبي والماسي، وتبدأ ليل في التماهي مع الصورة الخارجية.

3. مرحلة النهاية: حيث تتجرد كل الزينة، ويُستبدل كل سوار فاخر بآخر بلاستيكي يرمز للعدم والتجريد التام من الذات.

هذه البنية تمنح النص وحدة عضوية، ومفارقة حزينة تتكشف في السطر الأخير.

الرمزية والدلالات:

• السوار: يرمز للزمن، المكانة، العواطف، والذاكرة. وفي النهاية، يتحول إلى علامة طبية لا شخصية.

• ليل: اسم يحتمل أكثر من معنى؛ قد يشير إلى الغموض، الأنوثة، أو حتى النهاية والموت.

• اليد اليسرى: عادة لا تستخدم في التقديم أو الزينة، مما يضفي بُعدًا دلاليًا بأن النهاية تأتي من الهامش، من حيث لا يتوقع أحد.

القيمة الفنية للقصة تجمع بين بساطة الشكل وعمق المضمون، وهو توازن يصعب تحقيقه. ورغم قصرها، فهي تثير تأملات وجودية حول الحياة والموت والزمن، وتدفع القارئ إلى مراجعة العلاقة بين الذات والزينة، وبين الجسد والهوية.

“السوار” ليست مجرد قصة قصيرة عن زينة امرأة؛ بل هي تأمل فني في تحولات الإنسان، وفي مصير كل ما نعلقه على أجسادنا من رموز ومعانٍ. لقد ماتت “ليل”، لكن بقي السوار – لا كزينة، بل كشهادة. وهي مفارقة بليغة تسجلها القصة بذكاء وهدوء.






إرسال تعليق

0 تعليقات