هل غادر َ الشعراء من متردم قراءة في معلقة عنترة بن شداد

 

هل غادر َ الشعراء من متردم  

 قراءة في معلقة عنترة بن شداد




 احمد البنا  مصر 🇪🇬


 وهي المعلقة السادسة ، وصفت بالذهبية لماتميزت بهه عن سائر المعلقات بموسيقاها وانسياب عزفها سهولة في اللفظ وجزالة في المعاني و بعذوبتها سماعا او إلقاءً ،


أرى قصة عنترة تحمل بعدا إنسانيا وقضية تستدعي التوقف امامها ، ليست العبودة والرق فحسب وانما التميز على اساس اللون وان يتنكر الأب لإبنه من دمه ويستعبده اتباعا للعرف ، وانتزاعا لعاطفة الابوة الادمية ، بمثل تلك الحياة وجد نفسه ذلك الفتى ابن زبيبة حتى بعد ان عرف أن اباه سيدا من اشراف القبيلة ، ولكن هذا اللون و ذاك الوضع لن ينقصا من قيمة الانسان إن هو أدرك قيمة نفسه ، ولا العرف و لا الظلم استطاعا ان يفتا من عزيمته ، ليصبح فارس قومه وشاعرا يخلد ذكره ، تروي بطولاته ويشاد بسجاياه ونبله ويعتد بشعره بتوالي العصور وتتابع الاجيال اعجابا وفخرا بهذا البطل حتى لا ليغدو اسطورة الزمان ،


    فإن أك اسوداً فالمسك لوني 

           ولولا الليل ما طلع النهار َ  


هكذا يثق بنفسه ويتحدى كل نظرة عنصرية مقيته ،

بل ويغدو مثالا في بطولته وسمو نفسه ونبل اخلاقه ، و هي المزايا التى لم ينالها ابناء الملوك و لا السادة النبلاء في زمانه ، عظمة يحملها التاريخ ليغدو عنترة المثل ، في بطولته وشهامته وكرمه وعفته ،


  واغض طرفي إن بدت لي جارتي

               حتى   يواري   جارتي  مأواها


وها هو العاشق الجبار في العشق لا يهاب الموت يسخر من الاهوال ،


   ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني 

           وبيض.  الهند    تقطر    بالدم ِ 

   فوددت  تقبيل  السيوف  لأنها 

          لمعت  كبارق  ثغرك  المتبسم ِ


صورة عَقِم الخيال أن يولد بمثلها ، ذلك هو عنترة العبسي ، أخذ فروسيته بالتمرن على عصا الراعي ، واستقى أدبه من التفكر في خلق الله الواسع ، فامتلك قلبا يهيم وخيال يطير ووجدانا

يسافر به عبر الزمن ، والنبوغ يعني سعة فهم ووسع افق ، فادرك اللحظة الحاسم ؛؛ 

كُرّ عنترة ..،  العبد لا يحسن الكَرّ .. ، كُرّ وأنت حُر ّ.. ، وما انتهت المعركة الا باعراف ليس بحق النسب فقط وانما فارس عبس ، هكذا همة العظام لا يتسلل اليها اليأس ولا يخالطه فتور ولا يساورها شك ، عنترة بن زبيبة غدا ايقونة الحرية ، شاعر اعتزت العربية بإنتسابه اليها ، هزم جهالة البشر وانتصر للإنسانية .


 المعلقة بحرها / الكامل _حرف الروي / ميمية مكسورة _ ابياتها / 134 بيتا _ عنوانها / مطلعها شطر البيت الاول ،، هل غاد الشعراء من متردم ِ ،، وموضوعها الرئيسي / الفخر والحماسة ، المواضيغ والاغراض الشعرية الاخرى / الوقوف على الاطلال ، الغزل ، وصف الخمر ، وصف ناقته ، وصف حصانه ،  بطولته وبأسه . سأعرضها عليكم كقراءة وجدانية مبسطة بهذا الترتيب اتمنى ان تنال استحسانكم .


الاستهلال والمطلع :


   هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ

            أَم  هَل عَرَفتَ  الدارَ بَعدَ  تَوَهُّمِ

   يا دارَ  عَبلَةَ  بِالجَواءِ  تَكَلَّمي

            وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي


ولان القصيدة والمعلقة تعرف بمطلعها كان هذا الاستهلال العنوان العريض الذي ينطلق منه كيف شاء ، وهو القول الذي لم يسبقه به احدا قط ، هل ذهب الشعراء بصداى قوافيهم ، فالدار تعرف قاصدها عنوانها دون شك او توهم ، انها دار عبلة بالجواء يسألها لتخبره ، ولكنه لا ينسى تحيتها وامياته لها بالسلامة والبقاء ، وكانك بمخرج محتراف يضع لمساته على مشهد افتتاحي فيحدد مكان وزوايا الكيمرات وابطال القصة ، قصة عنترة  وشعره وحبيبته عبلة ودارها ،  


 الوقوف على الاطلال :


   فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها

           فَدَنٌ  لِأَقضِيَ  حاجَةَ  المُتَلَوِّمِ

   وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا

          بِالحَزنِ    فَالصَمّانِ    فَالمُتَثَلَّمِ

   حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ

          أَقوى  وَ أَقفَرَ   بَعدَ  أُمِّ  الهَيثَمِ

   حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت

          عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ  مَخرَمِ

   عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها

          زَعماً  لَعَمرُ  أَبيكَ  لَيسَ بِمَزعَمِ

   وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ

          مِنّي  بِمَنزِلَةِ   المُحَبِّ   المُكرَمِ


وقف واوقف ناقته وكأنها قصر امام بيت الحبيبة عله يشفي حاجة نفسه الفاقدة ، وتُحلّ عبلة اي ترحل عن الجواء وتبعد المسافة مابين الحزن حيث اقيم وحيث تقيم وبيننا موضعي الصمان والمتثلم .. يتعجب كيف يحتمل هذا الامر ، ويبادر ليحي هذا الطلل الذي صار ماضيا وقفرا يبابا بدون أم الهيثم كناية عبلة ، لقد صارتي بأرض الاسود التي تزئر  فعسر وصولي إليك  ،  تعلقت بهواك رغما عني وما بد سوى  مقاتلة اهلك لاحضى بك ليس زعما اقسم بحياة اباك ِ انه الجد ، نزلت بدارك فلا تشكي بحبي الذي يستحق كرمك ، هنا يصور المشاهد العديدة ويروي التفاصيل ويحاور ويسأل ويحي ويقسم  كل ذلك بوقوفته على الأطلال ، 


  وصف الفراق :


   كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها

             بِعُنَيزَتَينِ   وَ  أَهلُنا   بِالغَيلَمِ

  إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّماْ

             زُمَّت  رِكابُكُمُ   بِلَيلٍ   مُظلِمِ

  ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها

      وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ

  فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً

        سوداً كَخافِيَةِ  الغُرابِ الأَسحَمِ


كيف السبيل لزيارة بعضنا بعضا واهلك صاروا في عنيزتين المكان البعيد واهلي بالغيلم ، هل اخترت الفراق بمحض ارادتك ام اهلك جمعوا الامتعة واحضروا المراكب في ليلة مظلمة ، اي هم من خططوا لهذا الامر ليبعدوني عنك ، ارتعبت لمجرد تخيلي كيف اهلك تحملوا اي وهم يرحلون من الديار وتتناثر خلفهم حبات الخمخم التي تعتلفها ، واثنتان واربعون ناقة حلوبة يشوبها سواد يشبه الغراب الاسحم ، أي لشدة سواده حث تلك النوق مشهورة بجودتها ، وبما انها حلوب يعني لها صغار وحديثة ولادة فكيف يقررون الرحيل بتلك الحال لولا نوياهم بتفريق عنترة عن عبلة ،


التغزل بعبلة :

 إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ

          عَذبٍ   مُقَبَّلُهُ   لَذيذِ  المَطعَمِ

 وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ

        سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ

 أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها

        غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ  لَيسَ بِمَعلَمِ

  جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ

        فَتَرَكنَ   كُلَّ   قَرارَةٍ   كَالدِرهَمِ

  سَحّاً وَتَسكاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ

       يَجري عَلَيها  الماءُ  لَم  يَتَصَرَّمِ


 تسبيني شفتيها الوردية التي تشبه لون الغروب ولذاذة طعمها ، وبنكهة فمها كانها فأرة مسك لدى تاجر عطار يعرضها فتفوح ، و شفتاك وريقتان استأنف انباتهما للتوء في روضة تمزن بامطار خفيفة لا تؤثر بمعالمها ، جادت بها السحاب البكر فغدى الماء يشكل بركا بحجم كالدرهم ، وتستمر تسكب وتسح الماء كل عشية دون انقطاع ، هنا يصور الشفتين وطعم تقبيلهما ولونهما ورائحتهما وانهما طريان مبتلان كوريقتي نبات طريه وندية فيذهب الى ان يصورهما ريانين كوجود بركة بحجم الدرهم اي من داخل فمها تسح بالماء والبلل عليهما دون انقطاع ،


  وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ

      غَرِداً   كَفِعلِ   الشارِبِ  المُتَرَنِّمِ

  هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ

      قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ


وهو واقف على الطلل لفت انتباهه ذبابا فاخذ يروي ويسرد قصته ، خلا له الجو  تماما يسرح ويمرح ولا يبارح المكان هاهو يغني ويرفع صوته كالسكران ، ويفتعل الضوضاء يحك جناحيه بده كما يحك مقطوع اليدين جنبه بزنده ، وحتى الذبابة لا تمر بسلام في طلل المحبوبة ،


  تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ

        وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ  مُلجَمِ

  وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى

            نَهدٍ   مَراكِلُهُ   نَبيلِ  المَحزِمِ


أما هي عبلة فهي مرتاحة فوق اريكتها المحشوة بالصوف الناعم ممسية ومصبحة ، ولا تدرك اني فوة ظهر حصاني الادهم ، فوق سرج محشوا اشياء صلبة و رجليَ على نهد الركوب بجانب مكان الركل لتنبه الحصان على العدو ،  وهنا يصور مقارنة بينهما ومن يعاني ومن ينعم ،


في وصف ناقته :


  هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ

          لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ

  خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ

          تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ

  وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً

          بِقَريبِ  بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ

  تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَت

         حِزَقٌ يَمانِيَةٌ   لِأَعجَمَ  طِمطِمِ


يقول كيف لهذه الناقة الشدنية  ان توصلني اليها ، يدعوا عليها ان ينقط لبنها وشربها .. ذلك لانها هزيلة بسبب الحمل والولادة ، تتخطر بمشيتها بمشيتها المرقلة ، تسير بخفها على الاكام وكانها لا تمشي عليها بل تدوس عليها لتكسرها ، وفي الليل كذلك تسمع خشخشة كسر تحت اقدامها ، وكانها في مصلم ولد النعامة تأوي اليه النعام فلا تستطيعن السيطرة عليه أو نوق يمانية مشهورة بذكائها يرعاها عبدا اعجمي حبشي لا يستطيع التخاطب معها ، والسيطرة عليها ، 


  يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ

          حِدجٌ عَلى نَعشٍ  لَهُنَّ  مُخَيَّمِ

  صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ

      كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ

  


كان تلك النوق يتبعن صغر رأس ذلك العبد واذنيه المجذوعة او المخرومة ، ذكر نعام الذي يقعد على بيض الانثى يساعدها ، وعليه فرو طويل غير وافر الريش كالاناث ، 

كل تلك تشبيهات للناقة التي تترنح ضعيفة لا تستطيع المشي لمسافات بعيدة ، 


وصف سجاياه و شدة مراسة :


  إِن تُغدِفي دوني القِناعَ فَإِنَّني

        طَبٌّ بِأَخذِ  الفارِسِ  المُستَلئِمِ

  أَثني عَلَيَّ بِما عَلِمتِ فَإِنَّني

        سَمحٌ   مُخالَقَتي إِذا  لَم أُظلَمِ

  وَإِذا ظُلِمتُ فَإِنَّ ظُلمِيَ باسِلٌ

           مُرٌّ  مَذاقَتَهُ   كَطَعمِ  العَلقَمِ


كيف تضعين القناع حتى لا اراك وانا طبيب باخذ رواح الفارس اللئيم او المراوغ ، عليك ياعبلة ان تمدحيني بما تعرفين عني باني متسامح طالما لم اظلم ، لكن اذا ظلمت واجهت الظلم  ببسالة واذقت ظالمي مرارة العلقم ،


وصف الخمر :


  وَلَقَد شَرِبتُ مِنَ المُدامَةِ بَعدَما

         رَكَدَ الهَواجِرُ بِالمَشوفِ المُعلَمِ

  بِزُجاجَةٍ صَفراءَ ذاتِ أَسِرَّةٍ

        قُرِنَت بِأَزهَرَ في الشَمالِ مُفَدَّمِ

  فَإِذا شَرِبتُ فَإِنَّني مُستَهلِكٌ

          مالي وَعِرضي وافِرٌ لَم  يُكلَمِ


شربت الخمرة في شدة الحر  بالكؤؤس المزينة ،وبالزجاجة الصفراء الاسرة المنقوشة بالزهر اعلاها ومقدمتها ، كل ذلك واسهلكت مالي ولكن وفرت عرضي ، المعنى انه ان شرب الخمر حافظ على كرامته ولا يهين نفسه ،


وصف بطولته :


  وَإِذا صَحَوتُ فَما أُقَصِّرُ عَن نَدىً

         وَكَما  عَلِمتِ  شَمائِلي وَتَكَرُّمي

  وَحَليلِ غانِيَةٍ تَرَكتُ مُجَدَّل

         تَمكو  فَريصَتُهُ  كَشَدقِ الأَعلَمِ

  سَبَقَت يَدايَ لَهُ بِعاجِلِ طَعنَةٍ

        وَرَشاشِ  نافِذَةٍ  كَلَونِ  العَندَمِ


 اصحو من سكري فلا اقصر في جود وكرم نفس اعرف شمائلها ، كم جندلت من زوج غانية حسناء بطعنة وتركت الدماء ترش من صدره كنافذة يشع منها الضوء ، وارحتها من لؤمه ،


  هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ

        إِن كُنتِ  جاهِلَةً  بِما لَم تَعلَمي

  إِذ لا أَزالُ عَلى رِحالَةِ سابِحٍ

          نَهدٍ   تَعاوَرُهُ   الكُماةُ   مُكَلَّمِ

  طَوراً يُجَرَّدُ لِلطِعانِ وَتارَةً

      يَأوي إِلى حَصدِ  القَسِيِّ عَرَمرَمِ

  يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني

    أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ  المَغنَمِ


هلا سالت الفرسات عني يا عبلة ان كنت فعلا تجهلين خبري ، انا لم انزل عن ظهر جوادي الذي صارت تعرفه الابطال ، طورا يدفعني للطعان وجها لوجه وتارة يلتف بي من خلف العدو فاحصدهم حصدا ، سلي من شهدوا المعارك معي كيف اخوضها واعف عن سلب المغانم ،


  وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزالَهُ

         لا  مُمعِنٍ  هَرَباً  وَلا  مُستَسلِمِ

  جادَت لَهُ كَفّي بِعاجِلِ طَعنَةٍ

         بِمُثَقَّفٍ  صَدقِ الكُعوبِ  مُقَوَّمِ

  فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ

         لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ

  فَتَرَكتُهُ جَزَرَ السِباعِ يَنُشنَهُ

        يَقضِمنَ  حُسنَ  بِنانِهِ وَالمِعصَمِ


عنترة لا يحقر عدوه بل يشيد به ويعتبره بطلا حتى وهو يقتله وكأنه يريد ان يخبرنا بان الحروب لا يجب ان تفقد الانسان اخلاقه ، ذاك البطل المدجج الذي تهابه الفرسان لانه لا يستسلم ولا يتقهقر ، طعنته برمحي المقوم  فنفذ من ظهره يشق ثياب ، فالرماح لايحرم عليها الكرام ، اتذكر كيف تركته وانا ادرك مصيره طعاما للوحوش ، 


  وَمِشَكِّ سابِغَةٍ هَتَكتُ فُروجَها

      بِالسَيفِ عَن حامي الحَقيقَةِ مُعلِمِ

  رَبِذٍ يَداهُ بِالقِداحِ إِذا شَتا

           هَتّاكِ   غاياتِ   التِجارِ   مُلَوَّمِ

  لَمّا رَآني قَد نَزَلتُ أُريدُهُ

             أَبدى   نَواجِذَهُ   لِغَيرِ   تَبَسُّمِ

  عَهدي بِهِ مَدَّ النَهارِ كَأَنَّما

            خُضِبَ البَنانُ وَرَأسُهُ بِالعِظلِمِ

  فَطَعَنتُهُ بِالرُمحِ ثُمَّ عَلَوتُهُ

             بِمُهَنَّدٍ صافي الحَديدَةِ مِخذَمِ

  بَطَلٍ كَأَنَّ ثِيابَهُ في سَرحَةٍ

          يُحذى نِعالَ السِبتِ لَيسَ بِتَوأَمِ


والمدجج بالدروع ممسك بدرقة في يديه ظننا انها ستحميه هتكتها بضربة من سيفي فطارت شررا من يده ، كان احد المقامرين والخمارين ، عندما رأني نزلت لمبارزته ابتسم من الفزع والرعب ، طعنته بالرمح الحقت بالسيف واجهزت عليه ، وطوال نهار المعركة ظل امامي اطوف واعواد فاشاهده وقد استبغت ثيابه واصابعه بالدم وجفت حمراء بلون العندم ، 

رايي الشخصي في تلك الصور للقتل التي عرضها عنترة بانه يريد ايصال رسالة مفادها هذه هي بشاعة القتل وقباحة الحروب ،


 غزل وعفته :


  يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَن حَلَّت لَهُ

          حَرُمَت عَلَيَّ   وَلَيتَها  لَم  تَحرُمِ

  فَبَعَثتُ جارِيَتي فَقُلتُ لَها اِذهَبي

           فَتَجَسَّسي أَخبارَها لِيَ وَاِعلَمي

  قالَت رَأَيتُ مِنَ الأَعادي غِرَّةً

           وَالشاةُ  مُمكِنَةٌ   لِمَن  هُوَ مُرتَمِ

  وَكَأَنَّما اِلتَفَتَت بِجيدِ جَدايَةٍ

               رَشإٍ  مِنَ  الغِزلانِ  حُرٍّ  أَرثَمِ


يالها من شاة اي ،، امراة فاتنة ،، امكنني اقتناصها وتمنيت لكني حرمتها على نفسي ، برغم اني ارسلت عجوز تاتيني بخبرها ، واكدت لي بانها سهلة المنال ، كانت التفاتتها تشبه غزالة رشيقة ،


 خبرته في الحرب :


  نِبِّئتُ عَمرواً غَيرَ شاكِرِ نِعمَتي

              وَالكُفرُ  مَخبَثَةٌ لَنَفسِ المُنعِمِ

  وَلَقَد حَفِظتُ وَصاةَ عَمّي بِالضُحى

        إِذ تَقلِصُ الشَفَتانِ عَن وَضَحِ الفَمِ

  في حَومَةِ الحَربِ الَّتي لا تَشتَكي

          غَمَراتِها   الأَبطالُ   غَيرَ   تَغَمغُمِ

  إِذ يَتَّقونَ بِيَ الأَسِنَّةَ  لَم  أَخِم

            عَنها   وَلَكِنّي   تَضايَقَ  مُقدَمي


وصلني ان عمرا الذي احسنت اليه تنكر لي وتلك النفوس الخبيثة تجحد النعمة والاحسان ، غير

انني لا زلت اتذكر وصية عمي وكان الوقت ضحى وحتى حركة شفتيه ما زالت ترتسم بذاكرتي ، وانا الذي عندما ادخل في دوامة الحرب والابطال في غمرات الموت يتغمغمون بكلامات لا تفهم ، لم اتقي اسنة الرماح ولم اتقهقر واتراجع الا إذا زلت بي القدم ، اي ريثما اعدل وضعي لانقض من جديد ،


 في صف الادهم :


  لَمّا رَأَيتُ القَومَ أَقبَلَ جَمعُهُم

            يَتَذامَرونَ  كَرَرتُ   غَيرَ  مُذَمَّمِ

  يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّها

            أَشطانُ  بِئرٍ  في  لَبانِ الأَدهَمِ

  ما زِلتُ أَرميهِم بِثُغرَةِ نَحرِهِ

              وَلَبانِهِ  حَتّى   تَسَربَلَ  بِالدَمِ

  فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ

               وَشَكا  إِلَيَّ  بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ

  لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى

              وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ  مُكَلِّمي

  وَلَقَد شَفى نَفسي وَأَذهَبَ سُقمَها

            قيلُ الفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقدِمِ

  وَالخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عَوابِساً

            مِن بَينِ  شَيظَمَةٍ وَآخَرَ  شَيظَمِ

  ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي

                  لُبّي   وَأَحفِزُهُ   بِأَمرٍ   مُبرَمِ


ابلغ ما قيل في الشعر ، ليس مجرد وصف حصان وانما ان تتكلم بلسانه وتفصح عن ما يحس به ، وترتقي به حيونا الى مصاف البشر ، نعم فهي روح خلقها الله ، يقول كانت الابطال تتراجع وانا اكر على العدو غير هياب له ولا اذم على ذلك ، الكل ينادي علي والرماح تنهل نحوي فيتلقفها الادهم بنحره ، وانا منطلق به لم اتوقف حتى تسربل جلده بالدم ، لما آلمته الرماح التفت نحو يشكوا بتحمحم ، لوكان يستطيع ان يحاورني لكان عتابه اقسى على قلبي لماذا تهورت والقيت به للهلاك ، وشفاء نفسي هذا الجواد الذي لم يخذلني عندما كان الناس يستغيثون بي لاصد العدو ، كانت الخيول كلها نافرات والفرس ، متقهقرة الا الادهم ، مركبي المذلل لفروسيتي احركه كيفما اشاء واطوعه فيستجيب لامري  

  

  وَلَقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر

            لِلحَربِ دائِرَةٌ عَلى اِبنَي ضَمضَمِ

  الشاتِمَي عِرضي وَلَم أَشتِمهُم

            وَ الناذِرَينِ  إِذا  لَم  اَلقَهُما  دَمي

  إِن يَفعَلا فَلَقَد تَرَكتُ أَباهُم

              جَزَرَ  السِباعِ   وَكُلِّ نَسرٍ قَشعَمِ


لم اخشى ساعتها سوى امرا واحدا ، وهو ان اموت قبل ان ادير الحرب على ابنيَ ضمضم ، الذان ظلا يشتماني دون ان اشتمها ، وكم  توعداني وانا بعيدا عنهما بالانتقام لاباهما الذي قتلته فنهشت جثته السباع ،


   انتهت .. نلتقي مع المعلقة السابعة 

       ،،  للحارث بن حلزة ،، بإذن الله

          .... تحياتي ....

إرسال تعليق

0 تعليقات