مراسلات الحسين مَكماهون ١٤ يوليو ١٩١٥م

 

مراسلات الحسين مَكماهون ١٤ يوليو ١٩١٥م 



مهندس ابراهيم تركي

هناك الكثير من الخفايا والألغاز في التاريخ والتي تفتح مجالًا للغموض والشك وتضع علامات استفهام كثيرة أمام عدة تساؤلات ، خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل أمةٍ بأكملها . 

في ذلك الإطار تأتي خفايا  مراسلات الحسين مَكماهون  وهي عشرة رسائل متبادلة بين الشريف  الحسين بن علي الهاشمي  (أمير الحجاز ) وهنري مَكماهون ، المفوض السامي البريطاني الذي تم تعيينه حديثًا في مصر  خلال تلك الحقبة شديدة الخطورة من تاريخ المنطقة العربية .

تعود أولى المفاوضات المسجلة بين البريطانيين والحسين بن علي شريف مكة ( الذي عيّنه السلطان العثماني شريفاً عام ١٩٠٩م) إلى فبراير ١٩١٤م قبل ٥ شهور  من إندلاع الحرب العالمية الأولى خلال زيارة عبد الله بن الحسين  ثاني أبناء الشريف الحسين  للقاهرة واجتماعه باللورد كيتشنر المعتمد البريطاني في مصر  وفيها طلب تزويده بعدد من المدافع ، حيث لم يكن الشريف حسين على وفاق مع الحاكم العثماني الجديد في الحجاز وهيب باشا ولم يستجيب الإنجليز لذلك الطلب حفاظًا على مصالحهم مع السلطان العثماني وقتها .

بعد اتفاق الشريف حسين مع القوى الوطنية في سوريا على مساعدته في الثورة العربية الكبرى وعودة ابنه  فيصل إلى مكة ومعه ميثاق دمشق الذي تتعهد فيه القوى العربية في دمشق بدعم ثورته ، حتى بدأت المراسلات بين الشريف حسين ومَكماهون في ١٤ يوليو ١٩١٥م ، واستمرت حتى ١٠ مارس ١٩١٦م ، وبلغ مجموع الرسائل المتبادلة فيها عشر رسائل ، كان هدف الإنجليز منها إشعال الثورة العربية  ضد الأتراك .

حملت الرسالة الأولى التي بعثها حسين إلى مَكماهون مقترحات محددة بشأن حدود الدولة العربية التي طالب باستقلالها، وأن توافق بريطانيا على إعلان خليفة عربي للمسلمين، وألمح الشريف حسين أن هذه المطالب نهائية للبلاد العربية ولا يقبل العرب المساومة عليها . 

في ٣٠ أغسطس ١٩١٥م ، بعث مَكماهون برده على رسالة الشريف الحسين وموافقة بريطانيا على أن يكون الخليفة عربيًا عند إعلان الخلافة ، إلا أنه حاول إقناع الحسين بإرجاء الكلام في مسألة الحدود المقترحة بحجة أن الموضوع سابق لأوانه .

تركت هذه الرسالة أثرا سيئا في نفس الشريف الحسين ، فكتب إلى مَكماهون رسالة يعرب فيها عن دهشته لتهربه من مسألة الحدود وهي مسألة جوهرية وأوضح أن المفاوضات مع مَكماهون تتوقف على أمر واحد وهو الحدود المقترحة  وأوضح له أن مراوغة بريطانيا تكمن في حرصها على عدم إزعاج فرنسا بسبب أطماع الأخيرة في بلاد الشام ، فأجابه مَكماهون برسالة في ٢٤ أكتوبر ١٩١٥م ، بتعهدات قوية برعاية إعلان قيام الدولة العربية وحمايتها وهي التعهدات التي دخل على أساسها الشريف الحسين الحرب حليفًا إلى جانب بريطانيا .

في ١٥ نوفمبر ١٩١٥م رد الحسين على مَكماهون برسالة جاء فيها : 

"رغبة في تسهيل الاتفاق وخدمة الإسلام واجتناب كل ما من شأنه تعكير صفو المسلمين واعتمادا على نيات بريطانيا العظمى ومواقفها الحميدة فإننا نتنازل عن إصرارنا على ضم مرسين وأطنة إلى المملكة" .

إلا أنه تمسك بولايتي حلب وبيروت ، غير أن مَكماهون بعث إليه برسالة أصر فيها على استثناء حلب وبيروت من الدولة العربية وحث الشريف حسين  على بذل أقصى الجهود لإعلان الثورة .

قام الشريف حسين بإرسال مكاتبة أخرى إلى مَكماهون يبلغه فيها استعداده للتنازل عن منطقة غرب دمشق (حلب و حمص ) على أن يكون من حق العرب المطالبة بها بعد انتهاء الحرب؛ تجنبا لإلحاق الضرر ببريطانيا وحلفائها.

في ١٠ مارس ١٩١٦ بعث مَكماهون برسالة إلى حسين بموافقة بريطانيا على جميع مطالبه . 

وهكذا انتهت المفاوضات بين حسين ومَكماهون على موافقة حسين على استبعاد محمية عدن ومرسين وجنوب العراق وحمص ، على أن يكون من حقه المطالبة بها بعد انتهاء الحرب .

ولم تسفر هذه الرسائل عن منح العرب أية مطالب ، إذ عمدت بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى إلى الاتفاق مع فرنسا على تقاسم الوطن العربي وهو الاتفاق الشهير  الذي عرف باسم سايكس بيكو  .

إرسال تعليق

0 تعليقات