الإيثارُ… طَبَعَ الكِرامَ
بِقَلَمٍ: مُحَمَّد أَحْمَد مُحَرَّم اليمن
29 يوليو 2025م.
.......................
يُصادِفُ فِي رِحْلَةِ حَياتِنا اليَوْمِيَّةِ أَشْخاصاً كَالنُجُومِ الهادِئَةِ، تَقْتَحِمُ عالَمَكَ لَيْسَ اِحْتِلالاً
وَلا (بِسُلْطانِ القُوَّةِ) بَلْ بِسُلْطانِ القَلْبِ، فَيَكُونُ لِقاؤُهُمْ نافِذَةً تُطِلُّ مِنْها عَلَى مَعانِي الإنْسانِ الحَقَّ، وَإِنَّما تَجْمَعُ بِكُمْ الأقْدارُ فِي العَمَلِ فَبِمُجَرَّدِ الجُلُوسِ مَعَهُمْ وَالحَدِيثِ إِلَيْهِمْ بِإِيجازٍ يُعْطُونَكَ دَفْعَةً قَوِيَّةً وَإِلْهامٌ ساحِرٌ فَهُمْ يَعْمَلُونَ بِصَمْتٍ وَرُؤْيَةٍ ثاقِبَةٍ، هُمْ أُولٰئِكَ الَّذِينَ-تَخْتَزِلُ الأيّامُ أَسْرارَ عَطائِهِمْ- فِي رَهْبَةِ الصامِتِينَ، فَإِذا جالَسَتْهُمْ - وَلَوْ لَحَظاتٍ - اِنْهَمَرَ فِيكَ يَنْبُوعٌ مِنْ الأَنْوارِ: نُورُ الحِكْمَةِ المُسْتَمَدَّةِ مِنْ تَجارِبِ السِنِينَ، وَنُورُ التَواضُعِ الَّذِي يَرْفَعُ صاحِبَهُ فَوْقَ السَحابِ.
قَدْ تَحْصُلُ مَواقِفُ وَخُطُوبٌ هُنا وَهُناكَ وَنَحْنُ عَلَى سَفِينَةٍ واحِدَةٍ، هُمْ (سادَةُ اللَحْظاتِ الحَرِجَةِ) حِينَ تَشْتَعِلُ العَواصِفُ فِي مُحِيطِ السَفِينَةِ المُجْتَمَعِيَّةِ.
يَتَنازَلُونَ بَعْضَ الشَيْءِ مِمّا يُعَوِّضُ لِلآخَرِ سَعادَةً.. تَراهُمْ يَنْسُجُونَ مِنْ خُيُوطِ الأَزَماتِ - قَمِيصاً جَدِيداً لِلأُخُوَّةِ - فَيُبادِرُونَ إِلَى وَضْعِ أَيْدِيهِمْ شُقُوقٌ عَلَى النُفُوسِ قَبْلَ شُقُوقِ الخَشَبِ، وَذٰلِكَ بِنُبْلِ أَخْلاقِهِمْ فِي وَضْعِ النِقاطِ عَلَى الحُرُوفِ، وَسَطَ الشُقُوقِ"يُلَمْلِمُونَ أَشْلاءَ الثِقَةِ المُبَعْثَرَةِ" بِيَدَيْنِ تَعْرِفانِ فَنَّ التَرْمِيمِ الوُجُودِيِّ. وَلَيْسَ الاِكْتِفاءُ بِالمُشاهَدَةِ وَوَضْعِ اليَدَيْنِ خَلْفَ الإبِطَيْنِ لِلاِسْتِمْتاعِ فِي نَجاحٍ أَوْ تَعَثُّرِ الآخَرِينَ.
لا يَنْتَظِرُونَ صُكُوكَ الشُكْرِ، بَلْ يَذُوبُونَ فِي فِعْلِ الخَيْرِ كَما يَذُوبُ المِلْحُ فِي البَحْرِ:
يُحافِظُونَ عَلَى الطَعْمِ لٰكِنَّهُمْ يَخْتَفُونَ.
هٰؤُلاءِ العَمالِقَةُ الخَفِيُّونَ خَلَقُوا مُبادِرِينَ يَجِبُ الاقْتِداءُ بِهِم وَالسَيْرُ عَلَى خُطاهُم وَالاِسْتِفادَةُ مِنهُم بِحُكْمِ خِبْرَتِهِم العِلْمِيَّةِ وَالعَمَلِيَّةِ الطَوِيلَةِ فَهُم يَعْمَلُونَ بِصَمْتٍ( الجُنْدُ المَجْهُولَةِ)، يَصْنَعُونَ المُعْجِزاتِ بِصَمْتٍ يُزَلْزِلُ الأنانِيَّةَ، كَشَجَرَةِ المانغروف الَّتِي تَمُدُّ جُذُورَها تَحْتَ الماءِ لِتَحْمِيَ الشاطِئَ مِنْ الانْهِيارِ.
هُمْ يُدْرِكُونَ أَنَّ الإِيثارَ لَيْسَ تَنازُلا عَنْ الحَقِّ، بَلْ اِسْتِثْمارٌ فِي رَصِيدِ الوُجُودِ المُشْتَرَكِ. حِينَ يَتَنازَلُ الواحِدُ مِنْهُمْ عَنْ مَقْعَدِهِ، أَوْ يَهُبُّ جُزْءاً مِنْ وَقْتِهِ، أَوْ يَبْذُلُ فِكْرَةً أَنْضَجَتْها التَجْرِبَةُ، فَإِنَّما: يُخْلُقُ تَيّاراً تَحْتِيّاً مِنْ المَحَبَّةِ، يَرْفَعُ السَفِينَةَ كُلَّها. إِنَّهُمْ فَلاسِفَةُ الأَخْلاقِ العَمَلِيُّونَ (الحَقِيقِيُّونَ) الَّذِينَ حَوَّلُوا النَظَرِيّاتِ إِلَى أَنْفاسٍ يَوْمِيَّةٍ.
تَرَى فِي عُيُونِهِمْ ذٰلِكَ الوَمِيضَ الثاقِبَ الَّذِي يَخْتَرِقُ حُجْبَ الأنانِيَّةِ، فَيَكْشِفُ عَنْ حَقِيقَةٍ بَسِيطَةٍ: أَنَّ نَجاةَ الفَرْدِ لَيْسَتْ بِمَعْزِلٍ عَنْ نَجاةِ الجَماعَةِ.
هُمْ لا يَكْتَفُونَ بِتَأَمُّلِ الخَيْرِ مِنْ بُرْجِهِمْ العاجِيِّ، بَلْ يَنْزِلُونَ إِلَى ساحَةِ المُعْتَرَكِ الإِنْسانِيِّ حامِلِينَ(مِطْرِقَةَ الإرادَةِ) لِيُدُقُّوا بِها مَسامِيرَ الوَصْلِ بَيْنَ القُلُوبِ.
فَيا أَيُّها السائِرُونَ عَلَى دَرْبِ الكِرامِ: هٰؤُلاءِ حُكَماءُ الحَياةِ الحَقِيقِيُّونَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا أَنَّ البَذْلَ سِرُّ البَقاءِ. خُذُوا مِنْ نُورِهِمْ مِصْباحاً، وَمِنْ رُؤْيَتِهِمْ بُوَصْلَةٍ، وَمِنْ صَمْتِهِمْ دَرْساً. فَفِي عالَمٍ يَصْرُخُ بِالأَنا، يَكُونُ صَوْتُ الإِيثارِ هُوَ : اللَحْنُ الإلٰهِيُّ الَّذِي يُذَكِّرُنا: "لَنْ نَرْتَقِيَ إِلّا عِنْدَما نَرْفَعُ غَيْرَنا عَلَى أَكْتافِنا". هُمْ لا يَنْتَظِرُونَ النُصْبَ التِذْكارِيَّةَ، لٰكِنَّهُمْ (يَبْنُونَ أَنْصاباً خالِدَةً فِي قُلُوبِ مَنْ أَنْقَذُوها). وَفِي النِهايَةِ، أَعْظَمُ ما يُورِثُهُ الإِنْسانُ لِلإِنْسانِيَّةِ لَيْسَ قَصْراً يُشَيِّدُهُ، بَلْ أَخْلاقاً تَسْكُنُ فِي الآخَرِينَ فَتَسْتَمِرُّ الرِحْلَةُ...
---
حَرْفُ الإيثارِ النابِضُ
بِقَلَمٍ. مُحَمَّد أَحْمَد مُحَرَّم.
............................
أُناسٌ كَالنَدَى
فِي الصَمْتِ يَسْكُبُهُمْ
وُجُودٌ لا يُراوِغُ... لا يَتَكَسَّبُ
يَقْتَحِمُونَ مَمالِكَ الأَنا بِصَمْتٍ
كَنُورِ الشَفَقِ الباكِي وَيَتَأَدَّبُ
هُمْ السَفِينَةُ اليَقْظَى
فِي لُجْجِ الخُطُوبِ
يَنْحَتُونَ بِأَضْلاعِيهِمْ الخُشُوبَ
يُعِيدُونَ الحَرِيقَ النائِحَ زَيْتُوناً
وَيَحْمِلُ صَمْتَهُمْ
الضالَّةُ المَطْلُوبُ
يَرْفُضُونَ الظِلَّ حَتَّى
لا يُطاوِلُهُمْ فَيَرْسُمُونَ
لِغَيْرِ القَوْمِ… شَمْسِ القُلُوبِ!
هٰهُنا شَقٌّ يَئِنُّ.. وَهاهُنا دَمْعٌ
وَيَبْذُلُ فِي السَكِينَةِ
أَعْظَمُ الحُظُوفِ
فَإِذا الصِدْقُ دِينٌ.. كانَ إِيثارُهُمْ
رِسالَةُ دَمٍ فِي
كَفُّهُمْ تَكْتُبُ
وَإِذا الإِنْسانُ مِيزانٌ.. فَكانَ وِزانَهُمْ
أَنْ تَزِيدَ وَتَبْقَى
كَالَّذِي.. تَنْقُصُ!
---
0 تعليقات